
بقلم: شيماء بنان – صحفية متدربة في معهد الجزيرة للصحافة والاتصال
في زمن تتسارع فيه الأخبار وتتنافس فيه المنصات على كسب المتابعين، أصبحت الصحافة أمام معادلة صعبة: هل تظل وفية لدورها الحقيقي في نقل الحقيقة، أم تنساق خلف تيارات التطبيل التي تطغى على المهنية والموضوعية؟ من خلال تجربتي في مجال التكوين الإعلامي، لاسيما داخل معهد الجزيرة للصحافة، أصبحت أعي حجم المسؤولية التي تقع على عاتق كل من يختار هذه المهنة.
الصحافة في جوهرها التزام أخلاقي قبل أن تكون وسيلة لنقل المعلومة. الشفافية هنا ليست مجرد ترف، بل ضرورة. الصحفي مطالب بأن يكون عين الناس وأذنهم، ينقل الوقائع كما هي، دون تحريف أو تجميل، حتى وإن كانت الحقيقة لا تُرضي بعض الأطراف. فالصحافة الحرة هي التي تنقل الواقع دون أن تبرر، وتنتقد دون أن تُهين، وتحلل دون أن تُجامل.
في المقابل، نجد عدداً من المنابر الإعلامية قد اختارت الاصطفاف مع السلطة أو رأس المال، فتحولت من وسيلة لتنوير الرأي العام إلى أداة لتلميعه. هذا النوع من “الصحافة المُطبّلة” يُضعف ثقة الجمهور، ويقضي على ما تبقّى من مصداقية في مهنة تُفترض فيها النبل والجرأة.
لقد تعلمت، من خلال التكوين والعمل الميداني، أن الصحفي الحقيقي لا يُقاس بعدد المواضيع التي نشرها، بل بمدى التزامه بالمبادئ، وجرأته في قول “لا” حين يُطلب منه أن يزيّن الواقع بدل أن يكشفه. الصحفي هو من يكتب للتاريخ، لا لمنصب أو مصلحة مؤقتة.
الصحافة اليوم بحاجة إلى صوت نزيه، حر، وشجاع. بحاجة إلى أقلام تكتب انطلاقاً من هموم الناس، لا من رغبات أصحاب النفوذ. فبين الشفافية والتطبيل، هناك خيط رفيع لا بد أن نتمسك به جميعاً، حتى لا تضيع الحقيقة.