متابعة :حمزة شربار
أسماء ليست مجرد جسد قيدته لعنة وراثية إنها روح تكسرت عليها أمواج المرض لكنها أبت أن تغرق فتاة كُتب عليها أن ترى شقيقاتها يسقطن واحدة تلو الأخرى في حضن العجز وكاد القدر أن يرسم لها ذات المصير لولا أنها مزقت الصفحة وكتبت قصتها بدمعها وصبرها وبمساعدة أيادٍ آمنت أن الإنسان لا يقاس بما تعجز عنه قدماه بل بما تنهض به إرادته.
على كرسيها المتحرك بدت وكأنها محاربة عائدة من ساحة معركة تحمل فوق كتفيها أوجاعا أعمق من أن تُرى لكنها تسير لا تطلب شفقة بل تفتح طريقا يشبهها وعر، لكنه يؤدي إلى القمة احتلت الرتبة الثانية في صفها لا كمنحة شفقة بل كاستحقاق جناه عرق القلب وتعب الليالي ولم تكتفِ بل سافرت بروحها لتمثل جهتها في مسابقة وطنية كبرى بوجدة لتصرخ في وجه الوطن كله: أنا هنا لا جسدي من يحددني بل عقلي الذي يُبدع وقلبي الذي لا ينكسر.
كانت أسماء في ذلك الحفل نجمةً لا ينازعها أحد رغم أنها لم ترقص ولم ترفع صوتها بل كان حضورها وحده كافيا ليملأ القاعة نورا مختلفًا نورًا يُرى بالقلوب لا بالعيون وفي لحظة صامتة رفعتُ عدسة هاتفي والتقطت لها صورة لكنها لم تكن مجرد لقطة؛ كانت صورة صنعتها الدموع وأضاءتها الروح صورة جمعت في إطارها كل معاناتها وكل صمودها وكل الكلمات التي عجز الجميع عن نطقها.رأيت في عينيها دموعًا انهمرت خلسة وهي تتابع زملاءها يرقصون على أنشودة النجاح وكنتُ شاهدا على مشهد لم يره غيري دموعها لم تكن دموع ضعف بل كانت صرخة انتصار خرجت من قلب أنهكته المعارك لكنه ظل صامدًا مرفوع الرأس.
أسماء لا تطلب منا تصفيقا ولا قصائد مديح بل تطلب من قلوبنا أن نفيق أن نعيد تعريف النجاح أن نؤمن أن البطولة ليست في الأجساد التي ترقص بل في الأرواح التي تنهض بعد كل سقوط.
فيا رب يا من خلقت الضعف والقدرة وفجرت من جوف العتمة نورًا وفق هذه الفتاة الباسلة واجعل خطاها ثابتة واكتب لها من الفتح والنصر ما يُنسيها مرارة القيود واهدِ كل مسؤول، في هذا الإقليم أن يدعمها لا كواجب بل كعرفان لفتاة علمتنا أن العظم لا يكون في الجسد بل في الروح التي لا تنحني.
فمن ظن أن القيود تصنع العجز، لم يفهم بعد أن الأجنحة تولد أحيانًا من قلب الجراح.
توقف ومعاناة لم تمنع الطفلة من التميز واحتلال الرتبة الثانية في مستوى الثانية اعدادي مسار دولي خيار فرنسي بل ولم تكتفي بذلك بل هي الآن ممثلة الإقليم والجهة كلها في مسابقة ثقافية سيتم التباري من خلالها بين تلاميذ من مختلف جهات المملكة بعاصمة الشرق مدينة وجدة.
والأجمل من ذلك كله ان لجنة الانتقاء على مستوى الجهة يؤكدون انهم لم يراعوا لحالة التلميذة أثناء التباري بل تم التعامل معها كالبقية واجابت وتميزت بين الجميع واستحقت التأهل.
نجومية حفل لم تخلو من مسحة حزن ترجمتها دموع حزن ذرفتها مقلتي التلميذة النجيبة خِلسة وهي تتابع زملائها يرقصون على نغمات أنشودة النجاح.