طانطان والإمارات… خيمة واحدة، وقيم عربية مشتركة

الحصاد 3607 مايو 2025آخر تحديث :
طانطان والإمارات… خيمة واحدة، وقيم عربية مشتركة

بقلم: سمية مسرور

في قلب الجنوب المغربي، حيث تمتزج الرمال بالهوية، ويهتز الزمن على إيقاع الخيول وعبق اللبان، ينبعث موسم طانطان كقصيدة حية، تتلوها القبائل وتسمعها الأمم. ليس مجرد احتفال، بل بيان حضاري مفتوح على التاريخ والجغرافيا والإنسان.

منذ إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية من طرف اليونسكو، صار الموسم مرآةً تعكس عمق الثقافة الحسانية، ومسرحًا لاحتفاء عالمي بالبادية المغربية في أنقى صورها. وهنا، لا يمكن إغفال الشراكة الثقافية العربية التي تعزز حضوره، وعلى رأسها الدعم المتواصل من دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال مؤسسة “تراث”، التي أسهمت في تثبيت هذا الموسم كمنصة عربية ودولية تُحتفى فيها القيم الأصيلة.

ولا يُمكن تجاهل الدعم السخي الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة لموسم طانطان، وهو دعم يتجاوز الأبعاد المادية ليحمل في طياته رسالة إنسانية عميقة، تُجسد الروح التي غرسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ذلك الرجل الذي كان يُؤمن بأن الثقافة هي جسر للسلام والتفاهم بين الشعوب، وأن التراث هو عنصر أساسي في بناء هوية الأمم.

في كل مشاركة إماراتية في طانطان، سواء عبر مؤسسة “تراث” أو الفعاليات الميدانية، نجد أن هذا الدعم يعكس قيم زايد الإنسانية التي تقوم على التعاون، والشراكة الثقافية، واحترام التنوع الثقافي. إن حضور الإمارات، واهتمامها المتواصل بتنظيم هذا الموسم ودعمه، هو في الواقع امتدادٌ لنهج زايد الذي كان يؤمن بأن الثقافة قوة، وأن التعاون بين الشعوب هو مفتاح السلام والتقدم.

من خلال هذا الدعم، لا تقتصر الإمارات على إحياء التراث فحسب، بل تُعيد أيضًا التأكيد على الروابط التاريخية والإنسانية بين المغرب والإمارات، وبين شعوب المنطقة العربية بشكل عام. وفي هذا السياق، يُصبح موسم طانطان أكثر من مجرد احتفال ثقافي، بل محطة لتجديد العهد بين الأشقاء، وتعزيز القيم الإنسانية التي تتخطى حدود الجغرافيا لتصل إلى قلب الإنسان العربي في كل مكان.

في طانطان، تذوب الفوارق. القبائل تجتمع، ويصبح الخلاف طقسًا يُذوَّب في الشاي، وتتحول الفروسية من استعراض قوة إلى عرض كرامة. تتقدم المرأة الصحراوية بكبريائها المعهود، تطرّز خيمتها كما تطرّز خطابها، حاضرةً في كل تفاصيل الموسم، شاهدة على روح لا تنكسر.

لكن، ونحن نحتفل بهذا الحدث العالمي، لا بد أن نطرح الأسئلة العميقة: هل تنعكس مكاسب الموسم على ساكنة طانطان نفسها؟ هل تُثمر هذه اللحظة الثقافية تنميةً عادلةً؟ أم أن المدينة تعيش مفارقة الموسم: تُعرَف به ولا تنتعش منه؟ هنا يُصبح واجبنا كمثقفين، كإعلاميين، كفاعلين، أن نحمي الموسم من أن يتحول إلى مجرد واجهة.

موسم طانطان ليس فقط ما يُرى من أعراس الجَمال وأناقة اللباس، بل هو أيضًا ما لا يُقال من حكايات الناس، من تطلعات شباب الجنوب، من تحديات التثمين الحقيقي للتراث في معادلة تنموية منصفة.

الرهان اليوم، أن يظل الموسم احتفالًا بالإنسان، لا فقط عرضًا للتراث. أن يصير محطةً تتجاوز الفلكلور، لتنتج معرفةً، فرصًا، وشراكات تُثمر في الميدان. ففي طانطان، لا نحتفل فقط بما كان، بل نرسم ما يمكن أن يكون، مدعومين بشراكات عربية أصيلة، تصدُق في الوفاء لذاكرة الصحراء وروحها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.