المغرب والتاريخ الممتد في التعايش: رؤية ملكية لاحتضان التنوع

الحصاد 36010 مايو 2025آخر تحديث :
المغرب والتاريخ الممتد في التعايش: رؤية ملكية لاحتضان التنوع

لطالما كانت المملكة المغربية واحدة من أبرز النماذج المشرقة في عالمنا العربي والإسلامي من حيث التعايش بين الأديان والحضارات. فالتاريخ المغربي، الممتد على مدى قرون من التفاعل بين الشعوب والثقافات المختلفة، يروي قصة دولة حافظت على سلامها الداخلي وقوتها الخارجية بفضل قدرتها الفائقة على احتضان التنوع في إطار من التفاهم والاحترام المتبادل. وإذا كانت الأمم والشعوب تفتخر بتنوعها الثقافي والديني، فإن المغرب قد أثبت مرارًا أنه أقدر من غيره على تحويل هذا التنوع إلى مصدر قوة واستقرار، بدل أن يكون مدخلًا للفرقة والتشتت.

المغرب، هذا البلد الذي تقع أبوابه بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وعلى مقربة من الثقافات الأوربية والأفريقية، استطاع على مر العصور أن يبني أسسًا متينة من التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود. وقد تجلى ذلك في تصدير النموذج المغربي في مجال التعددية الدينية، ليصبح مثالًا يحتذى به في العالمين العربي والإسلامي، حيث تبقى علاقات المغرب مع الأديان الأخرى نموذجًا من التعايش السلمي المبني على الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر.

التعايش المغربي في الواقع المعاصر:

وفي ظل العصر الحديث، ظل هذا النهج مستمرًا تحت رعاية الملك محمد السادس، الذي حمل على عاتقه مهمة ترسيخ هذه القيم العميقة في صلب السياسة المغربية. فمنذ اعتلائه العرش، قام الملك محمد السادس بتفعيل رؤية استراتيجية لترسيخ التعايش، وخلق بيئة من الحوار بين الأديان على المستوى المحلي والدولي. رؤية الملك تأتي في سياق جهوده المستمرة في الحفاظ على وحدة المغرب وتعزيز مكانته في الساحة العالمية كداعم للسلام والعيش المشترك بين مختلف الديانات والحضارات.

من المبادرات الملكية البارزة في هذا السياق، هي دعوة الملك محمد السادس لحوار الأديان، وتأكيده على أن المغرب سيظل أرضًا للتسامح والتعايش بين أتباع الديانات التوحيدية. ففي خطبته الشهيرة بمناسبة ذكرى تأسيس المملكة، أشار الملك إلى أن “المملكة المغربية، أرض التعايش الأخوي بين الديانات التوحيدية، ما فتئت تواصل جهودها في سبيل تعزيز روح التضامن والوئام بين الشعوب والحضارات”. وهذا التصريح يعكس رؤية عميقة تجعل من المغرب نموذجًا حيًا في التفاعل الإيجابي بين مختلف الأديان.

الملك محمد السادس: رعاية فكرية وروحية للتعايش:

الملك محمد السادس لا يقتصر دوره على كون المغرب بلدًا حاضنًا للتعددية فحسب، بل هو راعي هذه الفكرة أيضًا، إذ تبنى جملة من الإجراءات القانونية والاجتماعية التي تعزز من هذا النمط من التعايش. وعلى رأس هذه الجهود، نذكر التعديلات الدستورية التي أقرها الملك في 2011، التي عززت احترام حقوق الإنسان، وأكدت على أن “المملكة المغربية ملتزمة بتعزيز روح الحوار بين الأديان”. وبفضل هذه الإصلاحات، أصبح المغرب يحتل مكانة متقدمة في مجال حقوق الأقليات الدينية، وخاصة في مسألة حماية حقوق اليهود المغاربة الذين يعدون جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي للمملكة.

ومن جهة أخرى، جاء استقبال البابا فرنسيس في 2019 كحدث تاريخي يعكس التزام الملك محمد السادس بتوسيع دائرة الحوار بين الأديان. لقد شكلت هذه الزيارة خطوة هامة في تعزيز العلاقة بين المغرب والكنيسة الكاثوليكية، حيث أكد الملك في محادثاته مع البابا على أن “المغرب سيظل منفتحًا على مختلف الثقافات، ومؤمنًا بأن التعددية الدينية والتعايش السلمي هما الأساس لبناء مجتمع مزدهر ومتماسك”.

المغرب وتحديات المستقبل:

رغم النجاحات التي حققها المغرب في مجال التعايش، فإن التحديات التي يواجهها لا تزال قائمة. في عالم يزداد فيه التعصب والتطرف، تبقى مهمة الحفاظ على التعايش بين الأديان والحضارات مسؤولية مستمرة. ورغم ذلك، يظل المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس، منارة أمل في مسيرة بناء السلام بين الشعوب، حاملاً راية التسامح في زمن يحتاج فيه العالم أكثر من أي وقت مضى إلى الوقوف ضد ثقافة الكراهية والانقسام.

الخلاصة:

في النهاية، تظل البرقية الملكية إلى قداسة البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، والتي أكد فيها على الروابط العميقة بين المملكة المغربية والكرسي البابوي، رمزًا آخر على التزام الملك محمد السادس بمواصلة مسار التعايش بين الأديان. المغرب، من خلال حكمة قيادته، لا يزال يقدم نموذجًا حيًا لبقية العالم عن كيف يمكن للتنوع أن يصبح قوة دافعة للبناء، لا سببًا للانقسام.

بقلم سمية مسرور

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.