لماذا لا نُنصت للمرأة الصحراوية حين تُغنّي بصمت؟ عن التبراع: شعر الحب، والكرامة، والكتمان

الحصاد 36021 مايو 2025آخر تحديث :
لماذا لا نُنصت للمرأة الصحراوية حين تُغنّي بصمت؟ عن التبراع: شعر الحب، والكرامة، والكتمان

بقلم: سمية مسرور

رغم أن القصائد تملأ دواوين الشعر، إلا أن هناك نوعًا من الشعر لا يُدوّن على الورق، بل يُقال همسًا، ويُردّد في الزوايا، ويُحفظ في القلوب.
ذلك هو “التبراع”، وهو أحد أعذب أشكال التعبير الشعري الشفهي في الصحراء المغربية، وأحد أعمق تجليات الصوت النسائي الذي لم تُتح له في الماضي مساحة في الساحة العامة، فخلق لغته الخاصة في الظل.

التبراع ليس فقط شعر غزل نسائي.
إنه طريقة نساء الجنوب في أن يُعبّرن عن أنفسهن في مجتمع يفرض عليهن الصمت، ويحصر الحب في السر، والعاطفة في الحياء.
هو بوحُ مَن لا يسمح لهن المجتمع أن يصرخن، فيتكلمن بالشعر.

وفي زمن تُستهلك فيه الكلمات على المنصات، وتفقد فيه التعبيرات عمقها، يُعيدنا التبراع إلى جوهر الشعر، حيث الكلمة ليست استعراضًا، بل ملاذًا.
المرأة الصحراوية لم تدرس البلاغة، لكنها أتقنت العاطفة.
لم تكتب القصائد، لكنها روّضت الوجع.
وحين اختنق الصوت، تكلم القلب.

“إلي ما سقيته من كاس الغرام
علاش نام وهو فـ القلب نام”

هذا البيت، وغيره كثير، يحمل في طياته ليس فقط الحب، بل سؤالًا فلسفيًا عن العطاء والخذلان، عن الصمت والانتظار، عن الكرامة حين تصطدم بالشوق.

لكن، لماذا لا نعطي هذا الفن الشفهي ما يستحقه من التقدير؟
أليس التبراع مرآة ثقافة؟
أليس صوتًا نسويًا منسيًا، يحتاج أن نُعيد له اعتباره، لا كتراث فقط، بل كمساحة وجود وتعبير؟

في مقاربة العلاقة بين الشعر والهوية، يظهر التبراع كواحد من أبرز أشكال المقاومة الناعمة:
مقاومة التهميش، مقاومة الصمت، مقاومة النسيان.
وفي ظل الدعوات إلى تمكين النساء، ربما يكون الإنصات إلى هذا الصوت الخافت بداية حقيقية لإدماج أكثر عدلاً للمرأة الصحراوية في المشهد الثقافي الوطني.

إن إعادة الاعتبار للتبراع لا تعني فقط توثيقه، بل أيضًا الاعتراف بأنه شكل من أشكال الاعتراف بالمرأة كما هي: عاشقة، حرة، حكيمة، متناقضة… وإنسانة.

لقد حان الوقت لنعيد النظر في معنى “القصيدة” خارج الإطار النخبوي، ولنوسّع تعريف الشعر، ليشمل كل صوت خرج من القلب، وعاش في الذاكرة، حتى ولو لم يُطبع في كتاب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.