حين يصنع المثقف عدوه من مثقف آخر: هل خانت الثقافة رسالتها؟

الحصاد 360منذ 5 ساعاتآخر تحديث :
حين يصنع المثقف عدوه من مثقف آخر: هل خانت الثقافة رسالتها؟

هل يمكن أن تتحوّل الثقافة، التي وُجدت لتنوير العقول وفتح الأفق، إلى أرض خصبة لزرع العداء بين أبنائها؟
كيف يحدث أن يصبح المثقف خصمًا لمثقف آخر، لا لاختلاف مشروع في الرأي، بل بدافع الإقصاء والتنافس الضيق؟
أليست الثقافة فضاءً للحوار والتعدد، فلماذا تغدو في بعض السياقات أداة للصراع الخفي والنبذ العلني؟

في المفترض، أن تكون الثقافة مساحة مشتركة، تتسع للاختلاف وتُكرّس التنوير، ولكن الواقع يقول غير ذلك أحيانًا. ففي بيئات معينة، يتحول المثقف إلى خصم، لا للجهل ولا للسلطة الظالمة، بل لمثقف آخر يُفترض أن يكون حليفه في حمل مشعل الوعي.

في مثل هذه البيئات، لا تعود الثقافة مشروعًا جماعيًا للنهوض، بل حلبة يتصارع فيها المثقفون على الظهور، على الشرعية الرمزية، على من “يُمثّل النخبة” ومن يملك حق التأويل. تتحول المفردات إلى أدوات إقصاء، ويُستعمل الفكر كقناع لتصفية الحسابات الشخصية.

الأدهى أن بعض هؤلاء يلبسون عباءة “حراس الثقافة”، وهم في الواقع يُقصون كل من يختلف معهم أو لا يخضع لمرجعياتهم الفكرية أو الأيديولوجية. يظهر المثقف النرجسي، الذي يرى في الآخر تهديدًا لسطوعه، ويظهر المثقف الحزبي، الذي يربط القيمة بالانتماء، ويطلّ المثقف الانتهازي، الذي يجعل من الثقافة تجارة لا رسالة.

وهكذا، تُلبس العداوات لبوس الاختلاف، لكنها كثيرًا ما تُدار باسم الأنا، لا باسم الفكرة. نرى الهجوم والتهميش والتشكيك، لا باعتباره نقاشًا حيويًا، بل محاولة لإسكات صوت مزعج أو منافس محتمل.

ومع ذلك، فإن الثقافة الحقيقية لا تُقصي ولا تُقصى. الثقافة تُبنى على الاختلاف لا على الإلغاء، والمثقف الحق لا يخشى الآخر، بل يُنصت إليه. لأنه يدرك أن مهمته ليست الانتصار لنفسه، بل للمعرفة، للحرية، ولإعلاء قيمة الحوار.

لذا، لعل السؤال الأهم ليس فقط: لماذا يصنع المثقف عدوه من مثقف آخر؟
بل: كيف نعيد للثقافة رسالتها؟ وكيف نُعلّم الأجيال الجديدة أن المثقف الحقيقي لا يطعن زميله في الظهر، بل يشدّ على يده في زمن التردي؟

لعل الجواب يبدأ من الاعتراف بأن الثقافة ليست موقعًا للسلطة، بل موقفًا من السلطة، وأن الاختلاف، مهما بلغ، لا يبرر الكراهية. حين نُقرّ بهذه البديهيات، ربما تستعيد الثقافة دورها، ويتحوّل المثقف من خصم للمثقف، إلى شريك في المعركة الأهم: معركة الوعي.

بقلم سمية مسرور

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.