في اليوم الإفريقي: كيف صنع المغرب واقعه ومستقبل إفريقيا؟

الحصاد 36026 مايو 2025آخر تحديث :
في اليوم الإفريقي: كيف صنع المغرب واقعه ومستقبل إفريقيا؟

هل توقفنا يومًا لنتساءل كيف لبلد عريق مثل المغرب أن يتحول من مجرد موقع جغرافي على خريطة إفريقيا إلى لاعب إقليمي فاعل وصانع قرار مؤثر؟ كيف امتد طموح المغرب ليشمل قارة بأكملها، ويصبح شريكًا لا غنى عنه في رسم مستقبلها؟ في اليوم الإفريقي، تأتي هذه الأسئلة إلى واجهة النقاش السياسي والدبلوماسي، وتجد أجوبتها في الوقائع التي رسمها المغرب بعزيمة وثبات.

لم يكن المغرب مجرد متابع لحركة القارة الإفريقية أو ضحية تاريخ جغرافي، بل كان فاعلًا استراتيجيًا لا يستهان به. منذ عودته التاريخية إلى الاتحاد الإفريقي في 2017، اختار المغرب أن ينقل علاقته بالقارة من الانتماء الجغرافي فقط، إلى شراكة سياسية وتنموية عميقة، يقودها طموح ملكي متبصّر بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله. رؤية آمنت بأن مصير المغرب والإفريقية متشابكان، وأن لا نهضة حقيقية للمغرب من دون عمقه الإفريقي.

هذا الطموح لم يكن مجرد شعارات أو بيانات دبلوماسية، بل تبلور على أرض الواقع من خلال سلسلة من الخطوات الحاسمة: أكثر من ألف اتفاقية تعاون مع دول إفريقية شملت قطاعات استراتيجية مثل الفلاحة والبنوك والطاقة والبنية التحتية، مما جعل المغرب أحد أكبر المستثمرين في غرب إفريقيا. علاوة على ذلك، قاد المغرب مشاريع إقليمية كبرى، مثل خط أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي يمثل نموذجًا استثنائيًا للتكامل الاقتصادي بين دول القارة.

الديبلوماسية المغربية في إفريقيا تتسم بنهج فريد، يرتكز على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. المغرب يرفض أي وصاية اقتصادية أو سياسية، ويؤمن بشراكة متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. هذا النهج لم يعزز فقط من مكانة المغرب داخل القارة، بل جعله نموذجًا يُحتذى به في بناء علاقات جنوب-جنوب قائمة على التكامل والاحترام.

ولا يمكننا الحديث عن دور المغرب في إفريقيا دون التطرق إلى القضية الوطنية الكبرى: الصحراء المغربية. هذه القضية لم تكن اختبارًا فقط للمغرب، بل كانت أيضًا محكًّا لوحدة الاتحاد الإفريقي ورؤيته المستقبلية. عبر مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب، استطاعت الدبلوماسية المغربية تحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية لتعزيز الوحدة القارية والالتزام بسيادة الدول. الدعم الإفريقي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، وافتتاح العديد من القنصليات في الأقاليم الجنوبية، يشكل دليلًا دامغًا على أن المغرب نجح في كسب ثقة وإجماع القارة على حل يحقق السلام والاستقرار.

اليوم الإفريقي، الذي يحيي ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 25 ماي 1963، ليس مجرد مناسبة للاحتفال بالانتماء القاري، بل هو فرصة لتجديد العهد والتزام المغرب بدعم قارة إفريقيا في رحلتها نحو التنمية والتقدم. إفريقيا التي صنعها المغرب اليوم ليست إفريقيا المآسي أو الاستعانة الدائمة بالمساعدات الخارجية، بل إفريقيا السيادة والكرامة، التي تبني مستقبلها على أسس التعاون الحقيقي بين دولها وشعوبها.

من خلال هذه الشراكة المتينة، يؤكد المغرب أن انتماءه لإفريقيا ليس فقط جغرافيا، بل هو شراكة في الرؤية والتاريخ والمصير المشترك. وهذا هو الدرس الأهم الذي يقدمه المغرب اليوم: أن القوة الحقيقية لا تأتي من مجرد الانتماء، بل من القدرة على صنع القرار، وامتلاك الإرادة السياسية، وتحويل الأحلام إلى واقع ملموس.

في النهاية، إن المغرب اليوم لا يقف على هامش التطورات الإفريقية، بل هو قلب النبض القاري، ورائد في بناء مستقبل إفريقيا القوي والمتماسك. وهذا هو التحدي الذي يواصل المغرب مواجهته، مسطرًا بفخر حكاية نجاح أفريقي جديد يُكتب من مراكش إلى أبيدجان، ومن الرباط إلى أديس أبابا، ومن الصحراء إلى كل أقاليم القارة.

بقلم سمية مسرور

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.