في زمن باتت فيه الإنجازات الكروية تُقاس باللحظة والحظ، يخرج لاعبٌ كـمحمد الشيبي من رحم كرة القدم المغربية، ليصنع فرقًا حقيقيًا لا يقاس بالأهداف، بل بثبات الموقف، وعمق الأداء، وشرف الانتماء. فأن تُتوَّج مع فريقك المصري بيراميدز بلقب دوري أبطال إفريقيا للمرة الأولى في تاريخ النادي، وأن تكون أحد مفاتيح ذلك الإنجاز من موقعك كمدافع، فتلك رواية نجاح لا تكتب كل يوم.
من الرباط إلى القاهرة، ومن شوارع المغرب الرياضية إلى مدرجات المجد الإفريقي، شق الشيبي طريقه بلا ضجيج. لم يكن نجمًا استعراضيًا بقدر ما كان رجل ميدان حقيقي. مدافعٌ يجيد قراءة اللعب كما لو كان يحفظه عن ظهر قلب، ويدافع عن راية الفريق بروح المحارب، لا مجرد محترف. في مباراة نهائي العُرس القاري أمام العملاق الجنوب إفريقي ماميلودي صنداونز، ظهر الشيبي بمستوى رفيع، لعبًا وشخصية، وكان أحد أبرز نقاط التفوق التكتيكي للفريق المصري، الذي سجل اسمه في لائحة الأبطال لأول مرة.
الشيبي هو ذاك اللاعب الذي إن غاب عن التهديف، حضر في التفاصيل الخفية: تدخلٌ حاسم، تمريرة هادئة، تمركز دقيق، ومساندة هجومية محسوبة. هو مدافع لا يُقاس بما يمنعه فقط، بل بما يُمكّنه. وما مكّنه هذه المرة، هو الإيمان والوفاء لقميص فريقه، والعقلية القتالية التي حملها معه من مدرسة كرة القدم المغربية، حيث لا يُترك الدفاع للظروف، بل يُصنع بالتحليل والانضباط.
وإذا كانت بيراميدز قد كتبت تاريخًا جديدًا في سجل الكرة الإفريقية، فإن محمد الشيبي كتب سطرًا ناصعًا في مسيرته المهنية، وفي ذاكرة كل مغربي يفتخر بابن بلده المتألق خارج الحدود. لقد أثبت أن اللاعب المغربي حين يُمنح الثقة ويُحاط بالبيئة الاحترافية المناسبة، يمكنه أن يُحدث الفارق في المواعيد الكبرى.
هذا التتويج ليس نهاية، بل بداية جديدة لمسيرة لاعب وطني صادق، ودرسٌ مهم لجيل قادم من المدافعين: ليس المهم أن تكون في العناوين، بل أن تصنع الحدث بصمت وتترك للناس مهمة التصفيق.
بقلم سمية مسرور