من سرق روح العمل الجمعوي؟! صرخة من الداخلة لاستعادة الثقة المفقودة

الحصاد 36012 يونيو 2025آخر تحديث :
من سرق روح العمل الجمعوي؟! صرخة من الداخلة لاستعادة الثقة المفقودة

بقلم الإعلامية فتوتة هنون

هل ما زال العمل الجمعوي في جهة الداخلة وفياً لرسالته الإنسانية النبيلة؟ هل لا تزال الجمعيات تُمارس دورها كما أراده المجتمع والدستور؟ أم أننا أمام واقع محزن، حيث تحوّل هذا العمل من فضاء للعطاء إلى منصّة للاغتناء، ومن وسيلة للتنمية إلى أداة للتسلق والمصلحة الشخصية؟

إننا اليوم في لحظة مفصلية، لا تحتمل المزيد من الصمت أو المجاملة. لحظة تقتضي أن نعيد النظر بجرأة وصدق في حال العمل الجمعوي في جهتنا، وأن نطرح السؤال الأهم بكل وضوح: من سرق روح العمل الجمعوي؟

العمل الجمعوي ليس عملاً مؤقتًا ولا واجهة اجتماعية تُلتقط خلفها الصور أو تُنتزع عبرها الامتيازات. بل هو التزام نابع من قناعة راسخة بأن خدمة المجتمع، خاصة الفئات الهشة والمهمشة، واجب أخلاقي قبل أن يكون دورًا تنظيميًا. وقد عبّر القرآن الكريم عن جوهر هذا العمل في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
وهنا، يُرسم الحد الفاصل بين العمل الجمعوي الحقيقي، والعمل المُزيَّف الذي يُمارَس تحت غطاء الخير، بينما هو في حقيقته تعاون على الإثم.

أي جمعية تُريد أن تحظى بثقة المواطنين والدولة على حد سواء، لا بد أن تُبنى على أسس الشفافية، الاستقلالية، المسؤولية والمصداقية. هذه المبادئ ليست شعارات، بل شروط لبقاء الجمعية كفاعل حقيقي في التنمية. لكن الواقع، وللأسف، في جهة الداخلة يُظهر انحرافات مقلقة وخطيرة. فكم من جمعية تُؤسَّس فقط للحصول على دعم عمومي بلا أثر؟ وكم من جمعية تستعمل كشكل من أشكال التحايل، أو كأداة لخدمة أجندات انتخابية أو عائلية ضيقة؟

الظاهرة الأخطر هي تحويل بعض الأشخاص للجمعيات إلى مشاريع استثمارية مقنَّعة، تُمارس فيها الزبونية، وتُستغل فيها أموال الدعم لأغراض لا علاقة لها بالتنمية أو خدمة المواطن. هذا الانحراف لا يضرب فقط مصداقية الجمعيات المتورطة، بل يُشكك في كل العمل الجمعوي، حتى النزيه منه، ويُعزز نفور المجتمع من الانخراط في العمل المدني.

استعادة المصداقية ممكنة، لكنها تحتاج إلى قرارات جريئة، أولها وضع معايير شفافة لتوزيع الدعم، وإخضاع الجمعيات للتقييم والتتبع، وربط التمويل بالنتائج الواقعية لا بالأوراق. كما يجب تفعيل المحاسبة القانونية لكل من يسيء استعمال صفة العمل الجمعوي، وفتح المجال أمام الجمعيات الجادة لتشتغل بحرية ومسؤولية، دون أن يتم تهميشها لصالح الجهات المقرّبة أو المتملقة.

ولا يمكن لأي عملية إصلاح أن تنجح دون دور حقيقي وفعّال للإعلام والمجتمع المدني. الصحافة مسؤولة عن كشف التجاوزات وتوثيقها، وليس فقط تغطية الأنشطة السطحية. والمجتمع المدني، بجمعياته النظيفة وأفراده الغيورين، يجب أن يخلق جبهة واعية، ترفض التطبيع مع الفساد، وتقاوم محاولات تمييع هذا القطاع.

إن ما نعيشه اليوم يتطلب أكثر من انتقاد عابر. نحن بحاجة إلى يقظة جماعية، إلى ضمير حي لا يساير ولا يسكت. العمل الجمعوي أمانة، وخيانته ليست مخالفة إدارية فقط، بل خيانة لقيم المجتمع وأحلامه.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.