لوقت طويل، ظلّت كأس إفريقيا للسيدات بطولة تُنظّم بنسق خافت، بلا صدى حقيقي في الشارع الرياضي أو الإعلامي، رغم أنها تعكس طموحًا نسائيًا مشروعًا في قارة تُعاني فيها المرأة من التهميش الرياضي. فبين الإهمال المؤسسي وضعف التغطية الإعلامية، بقيت البطولة مجرد خانة في الاتحاد الإفريقي، لا تحظى بما تستحقه من اهتمام أو استثمار.
تحول مفصلي من أرض المغرب
لكن نسخة 2022 التي احتضنها المغرب مثّلت نقطة تحوّل نوعية. لم تكن البطولة مجرد حدث رياضي، بل تحولت إلى واجهة حضارية تعكس التزام الدولة المغربية برؤية جديدة للرياضة، عنوانها: المساواة، والتمكين، والتأثير الإقليمي.
نجح المغرب في تقديم نسخة احترافية تنظيمًا وجماهيريًا، لكن الأهم من ذلك أنه أعاد للبطولة هيبتها، وأعطى الكرة النسائية ما تستحقه من منصات ودعم ومؤسسات. لقد استثمرت المملكة في البنية التحتية، وجلبت الجمهور، وقدّمت للعالم نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه الرياضة النسائية في إفريقيا عندما تجد من يؤمن بها.
مشروع تنموي لا مجرد بطولة
ما قدّمه المغرب لم يكن حدثًا عابرًا. لقد حوّل البطولة إلى مشروع قاري للتنمية الرياضية النسائية. من خلال دعمه للمنتخب النسائي، وتأهيله لكأس العالم، وإنشاء مراكز تكوين الفتيات، وضع المغرب نموذجًا للتنمية الرياضية المستدامة، التي لا تكتفي بالمنافسة بل تبني القواعد من الأساس.
هذا التحول أرسل إشارات قوية إلى بقية دول القارة: المرأة الرياضية ليست عبئًا، بل فرصة. والبطولات ليست واجبًا، بل رافعة تغيير.
رسائل تتجاوز المستطيل الأخضر
كل ما دار حول كأس إفريقيا للسيدات بالمغرب حمل رسائل رمزية مهمة. حضور جماهيري نسائي واسع، تغطية إعلامية ملتزمة، نقاشات مجتمعية حول المساواة في الأجور والفرص… كلها دلائل على أن الرياضة قادرة على إحداث تغيير ثقافي واجتماعي، إذا توفرت الإرادة.
لقد قدّمت هذه النسخة من البطولة صورة مختلفة للمرأة الإفريقية: قوية، منافسة، مؤثرة، وقادرة على قيادة مشروع قاري جديد يعيد توزيع الأدوار بين الرجال والنساء.
المغرب في قلب الخريطة، والمرأة في واجهتها
لم يكتف المغرب بتقديم نسخة ناجحة تنظيميًا، بل نجح في ترسيخ مكانته كقوة مؤثرة في مستقبل الكرة النسائية الإفريقية. ومع تصاعد الطموحات لتنظيم البطولات الكبرى، وملف مشترك لتنظيم كأس العالم، بات واضحًا أن الرهان على المرأة أصبح جزءًا من استراتيجية رياضية وطنية تحمل أبعادًا سياسية وتنموية.
من الملعب إلى السياسات
إن كأس إفريقيا للسيدات لم تعد بطولة عابرة. ومع المغرب، تحوّلت إلى منصة لبناء مستقبل أكثر عدلًا في الرياضة الإفريقية. المستقبل الذي لا يضع المرأة على الهامش، بل في مركز الخريطة، تخطط، تنافس، وتنتصر.
بقلم: سمية مسرور