المرأة الصحراوية في الثقافة الحسانية: هيبة الحضور وعمق الأثر

الحصاد 36027 يوليو 2025آخر تحديث :
المرأة الصحراوية في الثقافة الحسانية: هيبة الحضور وعمق الأثر

ليست ظلًّا للرجل بل ركنًا من أركان المجتمع في الثقافة الحسانية، ليست المرأة كائنًا هامشيًا ولا ظلًّا باهتًا للرجل، بل هي فاعل أساسي في النسيج الاجتماعي والثقافي، تحمل في قلبها التاريخ، وفي سلوكها الكرامة، وفي حديثها الحكمة. إنها تلك التي يُشار إليها بالبَنان في المحافل، وتُروى عنها القصص في المجالس، ويُوزن كلامها بمكيال الذهب.

المرأة الحسانية.. منبع القيم ومربية الأجيال
المرأة في المجتمعات الصحراوية لم تكن فقط ربة بيت، بل كانت ولا تزال حاملة للقيم ومؤسسة للتربية. من خيمتها، تنطلق أولى دروس الكرم، والصبر، والشهامة. بصوتها تُروى القصص، وبسلوكها تُغرس الأخلاق. لذلك تُعامل باحترام كبير داخل المجتمع، ويُستشار رأيها في القضايا الكبرى، وتُحترم كلمتها بين الكبار قبل الصغار.

في الثقافة الحسانية.. المرأة سلطة ناعمة
المرأة الصحراوية تمتلك نوعًا خاصًا من “السلطة الناعمة”، لا تقوم على الصراخ ولا الاستعراض، بل على قوة الشخصية، ورجاحة العقل، ومتانة الحضور. فهي التي تستطيع أن تُطفئ نار الخلاف بكلمة، أو تُقنع زعيم القبيلة برأيها، أو تُربي قادة المستقبل في حضنها. وقد سجّل التاريخ الكثير من المواقف التي كانت فيها النساء عماد السلم أو وقود النضال.

حضورها في الشعر والأمثال والذاكرة الجماعية
تكفي نظرة سريعة في الشعر الحساني والأمثال الشعبية لتدرك كيف يرى المجتمع الصحراوي المرأة. فهي رمز الجمال والكرم والعقل والحكمة. تُغنّى في الطلعات، ويُفتخر بصفاتها، وتُضرب بها الأمثال. وحين يُراد وصف الرفعة أو العزة أو الهيبة، يُقال إنها “من طينة النساء الحسانيات”.

حارسة الهوية في وجه التحولات
رغم التغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة، ظلت المرأة الصحراوية صامدة في تمسكها بهويتها وثقافتها. من لباسها التقليدي إلى لغتها الحسانية، ومن طقوسها اليومية إلى طريقتها في تسيير الأمور، لا تزال تنقل إرثًا غنيًّا للأجيال الجديدة، وتُبرهن أن الحداثة لا تعني التخلي عن الجذور، بل تعني مواكبة العصر دون خيانة الأصل.

ليست نصف المجتمع فحسب.. بل ذاكرته وضميره
في الثقافة الحسانية، المرأة ليست نصف المجتمع فحسب، بل ضميره الحي، وذاكرته الحافظة، وأمله المتجدد. وكل محاولة لفهم الصحراء دون الوقوف عند مكانة المرأة، هي قراءة ناقصة ومجتزأة. فالمرأة الحسانية لا تُروى، بل تُنصت لها الصحراء.

بقلم: سمية مسرور

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.