إلى لحظة التأكيد في ديسمبر 2020، دوّن الرئيس الأمريكي دونالد ج. ترامب واحدة من أبرز المحطات في تاريخ الاعترافات الدبلوماسية حين أعلن، ببيان رسمي، اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه. خطوةٌ وُصفت حينها بـ”التحول الجيوسياسي غير المسبوق” في ملف عمره عقود.
واليوم، بعد خمس سنوات، وفي رسالة مباشرة إلى الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، يعود ترامب ليُجدد هذا الموقف بنفس الوضوح والصرامة، مؤكدًا أن “الحكم الذاتي المغربي هو الأساس الوحيد لتسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع”.
فما دلالة هذا التجديد؟ وما أبعاده الاستراتيجية؟ وكيف يكرس المغرب اليوم موقعه كرقم صعب في معادلات السياسة الدولية؟
أولًا: اعتراف 2020 لم يكن لحظة عابرة خلافًا لما راهن عليه خصوم الوحدة الترابية، لم يكن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء مجرّد قرار لحظي أو ورقة ضغط آنية. لقد أُدرج ضمن سياسة أمريكية مؤسساتية، احتُرم في عهد إدارات متعاقبة، سواء عبر الموقف الصريح أو عبر الامتناع عن دعم أي خيار يتناقض مع وحدة التراب المغربي.
ترامب، الذي أطلق الاعتراف سنة 2020، يعود اليوم في 2025 ليؤكد أن موقفه لم يكن مناورة سياسية بل جزء من قناعة دبلوماسية استراتيجية تقول بوضوح: المغرب شريك استراتيجي، والصحراء مغربية بحكم التاريخ والمستقبل معًا.
ثانيًا: الرؤية الأمريكية تُراكم لا تتراجع تجديد ترامب لاعترافه يأتي ليؤكد أن الرؤية الأمريكية تجاه المغرب ليست متقلبة، بل تراكمية، قائمة على تقييم واقعي لموازين الاستقرار في المنطقة. وقد صرّح في رسالته الأخيرة:
“الولايات المتحدة تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، وتدعم المقترح المغربي الجاد وذو مصداقية وواقعي للحكم الذاتي.”
عبارات دقيقة تعني في العمق أن أي حل خارج هذا الإطار لم يعد له مكان في قاموس واشنطن السياسي. فلا استفتاء، ولا خيارات تقسيم، ولا كيان وهمي. فقط مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بوصفه حلاً عقلانياً ومسؤولاً يحفظ للمنطقة استقرارها.
ثالثًا: المغرب داخل معادلة الأمن والسلام العالميين ما يجعل هذا الاعتراف ذا ثقل متجدد، ليس فقط صدوره عن رئيس دولة عظمى، بل ارتباطه برؤية شاملة ترى في المغرب فاعلاً محورياً في قضايا إقليمية ودولية كبرى:
مكافحة الإرهاب
تحقيق السلام من خلال اتفاقات أبراهام
تعزيز التبادل التجاري والتنمية المستدامة
قالها ترامب بصراحة:
“نعمل معاً من أجل السلام والأمن في المنطقة، لا سيما بالاعتماد على اتفاقات أبراهام، وتوسيع نطاق التعاون التجاري بما يعود بالنفع على الأمريكيين والمغاربة على حد سواء.”
بهذا المنطق، لم تعد الصحراء مجرد قضية سيادة وطنية، بل جزء من خريطة جيوسياسية أعيد رسمها، والمغرب فيها حجر زاوية في البناء الإقليمي.
رابعًا: التأكيد الأمريكي يُفقد الأطروحة الانفصالية مشروعيتها في مقابل هذا الزخم السياسي والدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، تجد الأطروحات الانفصالية نفسها في عزلة قاتلة. إذ لم يعد أحد من القوى الكبرى، بما فيهم حلفاء الجزائر التاريخيون، يتبنى خطاب الانفصال أو يعطي للكيان الوهمي أي مشروعية دولية.
التأكيد المتجدد من ترامب يوجه ضربة جديدة إلى تلك الأوهام، ويؤكد أن الحل الواقعي الوحيد هو ما اقترحه المغرب منذ 2007، تحت قيادة الملك محمد السادس، في إطار السيادة الوطنية الكاملة.
خاتمة: مغربية الصحراء… ليست فقط اعترافًا، بل التزامًا متجدّدًا حين يعيد رئيس الولايات المتحدة تأكيد دعم بلاده لمغربية الصحراء بعد خمس سنوات من الاعتراف الأول، فإنه لا يُجامل، بل يُؤسس لمرحلة جديدة.
إنها رسالة واضحة بأن المغرب اليوم لا يُفاوض على شرعيته، بل يقود مشروعًا إقليميًا في الأمن والتنمية والتوازن، وأن الصحراء ليست فقط جزءًا من ترابه، بل من مستقبله ومكانته في عالم لا يعترف إلا بالوضوح والفاعلية.
بقلم: سمية مسرور