بقلم : محمود سلامة
من أهم ما أثار انتباهي ، و اعتبره شخصيا رسالة واضحة ، خلال الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان ، هو هذا المقتطف من الخطاب :” لقد قلت، منذ اعتلائي العرش، أننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخليا و خارجيا، و في كل أبعاد هذا الملف ” .
نعم ، إن أهم ما يجب أن يميز المرحلة القادمة في ملف “الصحراء” هو ” التغيير ” الذي يجب أن يشمل كل مفاصل هذا الملف ، و الذي يجب أن يكون تغييرا جذريا ، يحافظ على المكتسبات و يعززها و يقطع مع السلوكيات المشينة التي رافقت تدبيره لعقود ، و ينهي الاقصاء و التهميش و التحكم و يقطع بصفة نهائية مع سياسة الريع التي استنزفت خزائن الدولة ، و صنعت الفوارق و الهوة الشاسعة ، داخل المجتمع بالاقاليم الجنوبية على وجه التحديد.
إن سياسة الريع و تكديس الثروة و محاربة الكفاءات و اقصاءها و نهج المقاربة “التعتيمية” في التعامل مع ملف الصحراء ، و الاشتغال بنفس الوجوه “البئيسة” التي افلس خطابها ، و لا تملك من الثقافة السياسية و التاريخية و القانونية سوى ترديد ما يردده العوام ( الصحراء مغربية ، حنا مغاربة …الخ ) و عدم وضع الاصبع على مكمن الداء …و أمور أخرى ، هي فعلا ما يجب تغييرها جذريا و القطع معها .
إن التغيير الذي يجب أن تشهده المرحلة المقبلة ، هو رفع البطاقة الحمراء في وجه كل الأسر التي راكمت الأموال باسم الصحراء ، رفع البطاقة الحمراء في وجه الجمعيات التي تستنزف المال العام و لا تقوم سوى بإحياء السهرات في اوروبا و تستدعي لها سعيدة شرف و من على شاكلتها لتقول ” و الصحراء مغربية … و شوفي زندي…)، يجب رفع البطاقة الحمراء في وجه منتحلي صفة ” الاعيان ” بينما الاعيان الحقيقيون مهمشون و يعانون في صمت ، و لا يحظون بالتقدير اللازم .
إن التغيير الذي يجب أن تبدأ الدولة في تنزيله هو التصدي لكل أنواع الابتزاز باسم ملف الصحراء ، التصدي لكل أولئك الذين ألفوا السفريات و الفنادق الفخمة و الدرجات الأولى في الطائرات و زيارة دول العالم ، و هم لا يتقنون لغة أجنبية واحدة ، و هم لا يعرفون تاريخ و طبيعة النزاع القائم ، و هم لا يعرفون ( لبيرات ، لمسيد ، الزاك ، حوزة ، جديرية ، زمور ….) و أن حظوتهم و مكانتهم داخل أحزاب سياسية بعينها و قربهم من مسؤولين نافذين بعينهم ، هو ما يشفع لهم لامتطاء صهوة المتع و الملذات و الشوبينغ ، باسم الدفاع عن ملف الصحراء ، و هو منهم براء .
إن التغيير الحقيقي ، هو رد الاعتبار لكل الطاقات التي تم اقبارها بسبب تصفيات الحسابات ، رد الاعتبار لكل الكفاءات التي تم التضييق عليها ، التي تحمل هم ملف الصحراء ، و لم ترفعه يوما في وجه الدولة لابتزازها و لو تلميحا كما حدث مرات عديدة من طرف اقطاب الريع .
إن التغيير الحقيقي ،هو التصدي لمنتحلي صفة ( الدفاع عن ملف الصحراء) بينما هم يدافعهم عن مصالحهم الشخصية ، و إلا كيف نفسر هذا الغنى الفاحش و الثروة المتراكمة و النفوذ الذي أصبحت تتميز به قلة قليلة ، وسط السواد الاعظم ، هذه القلة القليلة التي كانت إلى الامس القريب من ” الحفاة ، العراة …” و هي نفسها التي تتحدث بإسم أهل الصحراء ، و تسافر للدفاع عن ملف الصحراء ، و تعتبر نفسها الجهة الوحيدة المخول لها الترافع عن ملف الصحراء ، و كأن قضية الصحراء ليست قضية المغاربة قاطبة.