عبد الرحمن اليوسفي: صانع اتحاد العمال وحامل لواء العدالة الاجتماعية

الحصاد 3602 مايو 2025آخر تحديث :
عبد الرحمن اليوسفي: صانع اتحاد العمال وحامل لواء العدالة الاجتماعية

بقلم الصحفية سمية مسرور

في حضرة فاتح ماي، لا يمكن للذاكرة المغربية أن تمر مرور الكرام دون أن تنحني إجلالًا لرجلٍ شكَّل حلقة نادرة بين السياسي والنقابي، بين الوطني والإنساني. عبد الرحمن اليوسفي، ذاك المحامي والمناضل، لم يكن يومًا زعيمًا عابرًا في دفتر العمال، بل كان أحد الذين خطّوا بمداد الكفاح أول سطر في نهوض العمل النقابي بالمغرب.

التأسيس من الشارع لا من المكتب

لم يكن اليوسفي ناظرًا من برج عاجي على معاناة الشغيلة، بل كان ابن اللحظة والميدان، حين شارك في تأسيس “الاتحاد المغربي للشغل” سنة 1955، أول تنظيم نقابي مستقل عن الهيمنة الاستعمارية الفرنسية. فعلها بمعية وجوه وطنية من طينة المهدي بن بركة والمحجوب بن الصديق، ليمنح الصوت للعامل في مصنعه، والكرامة للموظف في مؤسسته، والشرعية للمعركة الاجتماعية وسط زخم النضال من أجل التحرر الوطني.

من النقابة إلى الدولة.. والوفاء واحد

عبد الرحمن اليوسفي لم يتخلَّ عن قضايا العمال وهو يرتقي في مدارج السياسة، بل حملها معه إلى منصة الحكم، حين قاد أول حكومة تناوب سياسي سنة 1998. كان يدرك أن العدالة الاجتماعية ليست شعارًا انتخابيًا، بل جوهر الدولة التي يريدها أن تكون لجميع أبنائها، لا لفئة دون أخرى.

وفي زمن كانت فيه الثقة بين الدولة والمجتمع شبه مفقودة، جاء اليوسفي بجسده النحيل، وتاريخه الصلب، ليعيد للسياسة احترامها، وللمواطن كرامته. رجل لم تغره المناصب، بدليل انسحابه الهادئ من الحياة السياسية بعد 2002، دون ضجيج، ولا بحث عن مجد شخصي.

قيمة تاريخية تتجاوز اللحظة

في زمن العمالقة القلائل، يظل اليوسفي أحد الرموز الذين أعادوا تعريف العمل النقابي والسياسي في المغرب. رجل التواضع والحكمة، الذي عاش من أجل الوطن، ومات وفي قلبه حب لا يُشترى.

إن يوم العمال العالمي، في المغرب، لا يُستَحضَر دون اسمه، لا فقط لأنه ساهم في تأسيس النقابة، بل لأنه أثبت أن السياسة لا تُختصر في السلطة، بل في الأخلاق، والوفاء لقيم العدالة، والإنصات لهموم الناس.

سيرة تتجاوز الظرفية

واليوم، في زمن التحولات المتسارعة، يبدو حضور عبد الرحمن اليوسفي أكثر من مجرد ذكرى؛ إنه بوصلة أخلاقية لزمن تتعالى فيه الأسئلة حول معنى السياسة وجدوى النضال. لقد علمنا أن الكرامة لا تُمنح من فوق، بل تُنتزع من الميدان، وأن للعامل صوتًا لا يخفت إذا حمله رجال بحجم الوطن. فليكن فاتح ماي، كل عام، لحظة تأمل في سيرة رجل صنع من الصمت حكمة، ومن الوفاء مدرسة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.