حين تحتفي منظمات دولية بتراث طانطان، وتُدرج اليونسكو موسمها ضمن روائع التراث الشفهي وغير المادي للبشرية، وحين تختارها شعوب من مختلف القارات وجهةً للقاء وتبادل ثقافي عميق، يحق لنا أن نتساءل: لماذا لا نمنح هذه المدينة المكانة التي تستحقها؟ لماذا لا نراها نحن، أبناء هذا الوطن، بالزخم نفسه الذي يراه بها الآخرون؟ طانطان ليست مجرد محطة عبور كما كانت في الماضي، بل هي اليوم مرآة لذاكرة الصحراء، وفضاء مفتوح للحوار الحضاري والاعتراف بثقافة عريقة ومجتمع أصيل.
من الذاكرة إلى الحاضر
تاريخ طانطان راسخ في الوجدان المغربي، ليس فقط باعتبارها مدينة في قلب الجنوب، ولكن كواحدة من المحطات التي احتضنت حدثًا مفصليًا في تاريخ الوطن: المسيرة الخضراء. من هنا انطلقت طلائع المتطوعين في ملحمة سلمية لاسترجاع الصحراء، ومن هنا ارتفعت الهتافات للوحدة والسيادة الوطنية. هذا الامتداد التاريخي منح طانطان بُعدًا وطنيًا يتجاوز موقعها الجغرافي ليجعلها رمزًا من رموز الإرادة المغربية الجماعية.
موسم يختصر هوية شعب
اليوم، يشهد موسم طانطان تحوّل المدينة إلى عاصمة للثقافة الصحراوية. لا تقتصر فعالياته على الفرجة والترفيه، بل تعيد الحياة لتراث الأجداد، من الشعر الحساني إلى فنون التبوريدة، ومن حلب الإبل إلى الحرف التقليدية والمأكولات الصحراوية. هو موسم يختصر هوية شعب بكامل تفاصيله، ويؤسس لجسور ثقافية مع شعوب تتقاسم مع المغرب الذاكرة البدوية والروابط الصحراوية.
طانطان التي تنتظر
لكن خلف هذه الصورة المضيئة، توجد مدينة تتطلع لما هو أكثر من موسم. طانطان تحتاج إلى استثمار حقيقي في بنيتها التحتية، في تعليم شبابها، في دعم مقاولاتها الصغيرة، وفي فتح آفاق اقتصادية وسياحية مستدامة. لا يمكن لمدينة بهذا الغنى الثقافي والتاريخي أن تظل خارج خارطة الاهتمام الجدي، لا من طرف المسؤولين ولا من طرف الفاعلين المدنيين.
حين نرى طانطان كما يراها العالم
ربما آن الأوان لنعيد اكتشاف طانطان بعيون جديدة، بعيون ترى ما يراه العالم: مدينة تُجسد حيوية المغرب العميق، وحارسة لذاكرة الصحراء، ومنصة للتقاطع الثقافي والدبلوماسي. حين نراها بهذا العمق، ندرك أنها تستحق أكثر من مجرد احتفال سنوي، إنها تستحق مشروعًا حضاريًا متكاملاً يليق بمكانتها.
الاهتمام الذي تستحقه
في الختام، لا يمكن الحديث عن مغرب الإنصاف والتنمية دون أن تكون طانطان في صلب المعادلة. المدينة التي أعطت الكثير للمغرب، تستحق في المقابل التفاتة تُترجم إلى مشاريع، وسياسات، واستراتيجيات تنموية، تُنصفها وتُنصف أهلها. هي دعوة صريحة لأن نرى طانطان كما يراها العالم… إن لم يكن أكثر.
بقلم سمية مسرور