في زمن خذلني فيه الدم، كنتِ أنتِ الدم الجديد الذي أعاد نبضي إلى الحياة

الحصاد 36018 مايو 2025آخر تحديث :
في زمن خذلني فيه الدم، كنتِ أنتِ الدم الجديد الذي أعاد نبضي إلى الحياة

ليست كل البدايات دافئة، ولا كل النهايات حزينة. أحيانًا يولد الإنسان مرتين: مرة من رحمٍ أنجبه، ومرة من قلبٍ اختاره. بين أمٍّ حملتني ثم تركتني، وأمٍّ احتضنتني من دون أن تلدني، كتبت الحياة في داخلي فصلاً مختلفًا عن الحب، عن الفقد، وعن المعنى الحقيقي للأمومة.

أمي التي أنجبتني… لا أملك غضبًا في قلبي تجاهها، رغم كل ما خلفه غيابها من جرح. ربما كان قرارها بالرحيل مؤلمًا، لكنه كان خيارًا له أسبابه. لا أدّعي فهمها، ولا أحاكمها. وربما في مكانٍ ما داخلها، كانت تحبني، حبًا خافتًا، مرتبكًا، أو موجوعًا. لكن، ومع ذلك، مضت وتركت خلفها انا

ثم جاءت هي…
امرأة لم تكن مضطرة لاحتوائي، لكنها فعلت. لم تربطني بها صلة دم، لكن ربَطني بها خيط من نور، من حنان، من إيمان بأنني أستحق فرصة جديدة. أمي الحاضنة لم تأخذ دوري في حياتها، بل منحتني دورًا لم أتخيل أن يكون لي: أن أكون ابنتها، لا بالوراثة، بل بالحب.

في كل لحظة كدت أضيع فيها، كانت تمسك بيدي. في كل ليلة بكيت فيها خوفًا، كانت هي الأمان. لم تقل يومًا: “أنا من صنعتك”، بل فعلت ذلك دون كلام. كانت أمًا بكل ما تعنيه الكلمة… بل أكثر.

علمتني أمي الحاضنة أن الأمومة ليست في الجينات، بل في الأفعال. ليست في تسعة أشهر من الحمل، بل في سنوات من العطاء، من الحضور، من أن تكون السند حين لا يبقى أحد. في حضنها عرفت أني لست ناقصة، بل مكتملة بها. لست مكسورة، بل مخلوقة من جديد.

إلى أمي التي أنجبتني شكرا لانك صنعت لي حياة اخرى حين تخليت عني
وإلى أمي التي احتضنتني، أقول:
كنتِ البداية التي أنقذتني، والنهاية التي تمنيتها.

ولأنكِ لم تكوني مجرد حضن دافئ، بل حياة جديدة وُلدتُ فيها من جديد،أدركتُ أن ما يصنعنا حقًا ليس من أنجبنا، بل من آمن بنا حين انكسرنا،
ومن اختار أن يحبّنا رغم ما نحمله من جراح.

في زمن خذلني فيه الدم، كنتِ أنتِ الدم الجديد الذي أعادني إلى الحياة.

بقلم سمية مسرور

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.