في زمن المناورات والتحالفات.. من يبني المستقبل ومن يحرس أطلال الماضي؟

الحصاد 36019 مايو 2025آخر تحديث :
في زمن المناورات والتحالفات.. من يبني المستقبل ومن يحرس أطلال الماضي؟

بقلم: سمية مسرور

في زمن تتسارع فيه التحديات الجيوسياسية، لم تعد المناورات العسكرية مجرّد تمارين ميدانية أو عروضًا استعراضية للقدرات القتالية، بل تحوّلت إلى لغة استراتيجية، ورسائل صامتة تُقرأ في دهاليز القرار الدولي، تُحلَّل بعناية، ويُبنى عليها الكثير.

من هذا المنطلق، تكتسب مناورات “الأسد الإفريقي 2025″، التي ينظمها المغرب بتعاون رفيع مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعدًا يتجاوز الجغرافيا العسكرية، لتصبح واجهة تعكس موقع المملكة في خرائط التحالفات الدولية الجديدة. أكثر من ثلاثين دولة من إفريقيا، أوروبا، أمريكا اللاتينية، ومنطقة الشرق الأوسط تشارك في هذه التمارين، ليس فقط كحلفاء ميدانيين، بل كشركاء استراتيجيين يُراهنون على المغرب كفاعل موثوق في صيانة الاستقرار الإقليمي ومكافحة التهديدات العبر-حدودية.

في المقابل، بدت الجزائر، التي اعتادت تقديم نفسها كقوة إقليمية منافسة، عاجزة عن مجاراة هذا الزخم. لجأت إلى تنظيم مناورات موازية، لا تحمل من المعنى سوى محاولة يائسة لإثبات حضور لم يعد معترفًا به إلا من طرف نظام يعيد تدوير خطاب الحرب الباردة في زمن الشراكات المتعددة الأبعاد. الأدهى، أنها سعت إلى استقطاب دول كمصر وموريتانيا، لكنها اصطدمت بجدار الحقيقة: لا أحد يرغب في الاصطفاف خلف سردية انفصالية تجاوب العالم معها ببرود، بل وأصبح يميل تدريجيا إلى تصنيف ميليشيات البوليساريو ضمن خانة التنظيمات المسلحة الخارجة عن الشرعية.

هنا، لا نتحدث فقط عن فشل في التحالفات، بل عن لحظة تعرٍّ سياسي لدولة تستثمر في التوتر بدل التنمية، وتحاول تصدير أزمتها الداخلية نحو الخارج في كل مرة يتقدّم فيها المغرب خطوة في مسار تثبيت شرعيته على امتدادات ترابه الوطني، وتدعيم موقعه ضمن محاور الأمن الجماعي.

“الأسد الإفريقي” ليس تمرينًا عسكريًا فحسب، بل هو شهادة جديدة على تحوّل المغرب إلى قوة ذكية، تبني الأمن بالدبلوماسية كما تبنيه بالتخطيط العسكري. مناورات ترافقها عمليات إنسانية واجتماعية، مستشفيات ميدانية، خدمات للسكان المحليين، وتدريبات تحاكي بيئات الأزمات الحقيقية… كل ذلك يعكس عقيدة دفاعية تقوم على الأمن الشامل، وليس الردع فقط.

وفي ظل هذا التحول النوعي، تبرز المفارقة بوضوح: المغرب يتحرّك نحو المستقبل بشراكات مدنية وعسكرية، بآفاق إفريقية وأوروبية وأطلسية، بينما تُعيد الجزائر اجترار ماضي “التحرر” في معادلات فقدت معناها منذ سقوط جدار برلين. الفرق بين الدول لا يُقاس فقط بعدد الجنود أو نوع السلاح، بل بمدى قدرتها على قراءة التحولات، واستثمار الفرص، وبناء جسور الثقة مع الشركاء.

لقد تغير الزمن. ولم يعد الخطاب العالي وحده يكفي لصناعة التأثير. من يزرع التعاون يحصد الاستقرار، ومن يوزع التهديدات يحصد العزلة.

إنه زمن الخيارات الواضحة… من يبني المستقبل، ومن يظل يحرس أطلال الماضي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.