في عالم يمضي فيه الوقت سريعًا، وتتناوب فيه الوجوه على مسارح الحياة، تبقى القيمة الحقيقية كامنةً في ما يُترك خلفنا، لا من أرقام فحسب، بل من أثر، ومن قدوة، ومن نبلٍ يتوارثه القادمون، فيمضون على خطى الطيبين. كرة القدم، وإن كانت رياضةً في ظاهرها، فإنها في جوهرها ساحة إنسانية تُختبر فيها القيم، وتُورث فيها العِبر، ويُختبر فيها الصدق والعزيمة. ومن بين حكايا الأجيال، يبرز اليوم مشهد بالغ الدلالة: لامين يامال، الفتى اليافع، يسير على طريقٍ ممهّدٍ بما خلفه أمثال كريستيانو رونالدو، الأسطورة التي نسجت المجد بخيوط الالتزام والكفاح.
كريستيانو رونالدو.. حين تصبح الحياة درسًا متجسدًا في هيئة رياضي
لم يكن كريستيانو رونالدو مجرد لاعب موهوب، بل كان تجسيدًا حيًّا لقيمة المثابرة، لصوتٍ داخلي لا يعرف التراجع، ولإيمانٍ لا يلين بالقدرة على التحوّل والتجاوز. في كل خطوة خطاها على العشب الأخضر، كان يزرع رسالة مفادها: أن النجاح لا يُورث، بل يُنتزع بالكدّ، وأن المجد لا يُعطى، بل يُؤخذ بالنية والعمل. هو لم يُدرّس بلسانه، لكنه كان مدرسةً قائمةً بذاتها، تعلم منها كثيرون دون أن يلتقوه.
لامين يامال.. ثمرة صغيرة على غصن شجرة وارفة
ها هو لامين يامال، في عمر الزهور، يلعب بثقة الكبار، يخطو بخفّة من تَشرّب الدروس من بعيد. لا تشبه خطواته كريستيانو من حيث القوة البدنية أو نمط اللعب، لكنها تُشبهه في ما هو أعمق: في نظرة الطامح، في جذوة الشغف، وفي احترام مسيرة من سبقوه. فتى اختار أن يصغي لصوت القمم، لا ليقلّدها، بل ليستلهم منها، ويكتب بأسلوبه فصلاً جديدًا في قصة الرياضة النبيلة.
الرياضة ليست منافسة فقط، بل جسر تواصل بين النفوس
ما بين كريستيانو ويامال لا يوجد صراع أجيال، بل تواصل أرواح، وجسر من القيم يعبره أحدهما، ويستلمه الآخر. كأنما الكرة أمانةٌ تُحمل بالضمير، قبل أن تُركل بالقدم. كأنما كل جيل يقول للذي بعده: “سِر على الدرب، وازرع الخير حيث مررت، وكن أنت القدوة كما كنتُ أنا.”
القدوة الطيبة لا تُفرض، بل تُلهم
ما يربط بين اللاعبين ليس التشابه في الموهبة، بل التشابه في الشعور بالمسؤولية تجاه ما يُمثلانه. فحين يدرك اللاعب أن سلوكه يُلهم، وأن جهده يُحتذى، يتحوّل من نجم عابر إلى إنسانٍ يُعلّم دون كلمات، ويوجه دون أن يشير. وكريستيانو كان كذلك. ويبدو أن يامال فهم الرسالة، وأقسم أن يكون بدوره ذلك النور لمن يأتي بعده.
في الختام: الأثر لا يُقاس بعمر صاحبه، بل بمدى صدقه واستمراره
قد يكون كريستيانو قد اقترب من نهاية الطريق، وقد يكون يامال في بدايته، لكن كلاهما يجتمعان في مكان واحد: في عمق الأثر الإنساني. وفي كل رياضي يُكرّم من سبقه، ويُعطي من قلبه، تُبعث في الرياضة روحها الأولى: أن نكون جسرًا، لا حجر عثرة. وأن نترك بعدنا أثرًا طيبًا، لا مجرد أرقام في سجل.
وهكذا تستمر الحكاية…
جيل يُعطي، وآخر يحمل الشعلة، فتُضاء بها دروب لا تنطفئ.
بقلم سمية مسرور