
بقلم: سمية مسرور
في زمنٍ يتسارع فيه كل شيء، ويبهت فيه الحوار، تلمع أسماء قليلة تحفر أثرها بهدوء وصدق. من بين هذه الأصوات، تبرز فاتحة أوعلي، إعلامية مغربية اختارت أن تصغي قبل أن تتكلم، وأن تمنح للكلمة وزنها، وللقرار عمقه.
حضور مختلف.. نابع من الداخل
ليست فاتحة أوعلي مجرد مقدّمة برامج، بل وجه يحمل شيئًا من الطمأنينة، وصوت يبعث على الإنصات. عبر سنوات من العمل الإعلامي، صاغت لنفسها أسلوبًا فريدًا يقوم على الرصانة والإنسانية، وعلى شعور عميق بالاحترام تجاه المتلقي والضيف على حد سواء.
من يتابعها، يلمس ذلك التوازن الذي يجمع بين الفكر والروح، بين المهنية والصدق. فهي لا تسعى للضوء من أجل الظهور، بل توجّه الضوء نحو الإنسان وما يعيشه ويقرره.
“الحياة قرار”… بودكاست يُقدَّم ببراعة ودفء
من أبرز محطاتها وأكثرها تأثيرًا، يبرز بودكاست “الحياة قرار”، تجربة إعلامية وإنسانية تقدمها فاتحة أوعلي ببراعة لافتة وعمقٍ استثنائي.
في هذا البودكاست، لا تستعرض القصص بسطحية، بل تغوص فيها. تُصغي بتأمل، تسأل برفق، وتُتيح للضيف أن يروي تجربته بأمان وطمأنينة. كل حلقة هي حوار يتخطى الكلمات ليصل إلى الجوهر: القرار، ذلك المفترق الهادئ الذي يُعيد تشكيل المصير.
ذاكرة الضيف… الحكاية كما رآها وعاشها
من أبرز ما يميّز بودكاست “الحياة قرار” هو اعتماده على سرد القصة من الداخل، من ذاكرة الضيف نفسه. لا يُروى الحدث من الخارج، ولا تُفرض عليه زوايا جاهزة. بل يُفتح المجال للضيف ليعود إلى طفولته، إلى البدايات، إلى لحظات مفصلية عاشها كما تذكّرها، وكما تركت أثرها في قلبه.
فاتحة أوعلي تُصغي لما يُروى برواية صاحبه، دون تدخل، دون تأويل. بهذا، تمنح الحوار بعدًا نادرًا من الصدق والحميمية، وتُعيد الاعتبار لصوت التجربة كما هي، لا كما يُعاد إنتاجها. هي دعوة للغوص في الذاكرة لاستخراج القرار من جذوره، وفهمه في سياقه الإنساني والزمني والشخصي.
الحوار والضيوف… حين تلتقي القرارات الجميلة
في “الحياة قرار”، يتحوّل الحوار إلى لحظة نور، ويصبح الضيف مرآة لتجارب ملهمة وقرارات تصنع الفارق. لا يُقدَّم الضيوف بألقاب أو إنجازات فحسب، بل كأشخاص حقيقيين، حملوا قصصهم بمحبة، وشاركوا لحظاتهم الفارقة ببساطة وصدق.
تجيد فاتحة أوعلي فن الإصغاء الذي يُشبه الاحتضان، فتقود الحوار برفق ودفء يجعل الضيف يشعر بالأمان، وينفتح ليشارك أجمل ما عاشه وتعلمه. كل سؤال يُطرح بنية الفهم لا الفضول، وكل إجابة تتحول إلى رسالة أمل لقلوب تستمع في صمت.
ضيوف “الحياة قرار” يأتون من مجالات مختلفة، لكنهم يشتركون في شيء واحد: قرار غيّر حياتهم، وصار مصدر إلهام لغيرهم. ومن خلالهم، يتجدد الإيمان بأن الحياة أجمل حين نرويها من الداخل، بحب وشجاعة وصدق.
صوت من النوع الذي لا يُنسى
في كل ما تقدمه، تبرهن فاتحة أوعلي أن الإعلام ليس فقط مهنة، بل رسالة وشغف ومسؤولية. يتفاعل معها جمهورها لأنها تُشبههم، لأنها لا تفرض خطابًا ولا تتقمص دورًا، بل تظهر كما هي: إنسانة قبل أن تكون إعلامية.
ولذلك، لا عجب أن يكون لبودكاست “الحياة قرار” وقع خاص في قلوب المستمعين. فهو ليس فقط برنامجًا، بل تجربة صادقة، تقدمها فاتحة بموهبة فريدة، وبحضور صامت يملأ الفراغات.
في عالم يضج بالأصوات المتشابكة، اختارت فاتحة أوعلي أن يكون صوتها مختلفًا: يصل إليهم… يتواصل… ومع كل قرار جديد تسلط الضوء عليه في بودكاستها، تؤكد أن الحياة ليست فقط ما يحدث لنا، بل كيف نختار أن نروي محطاتها.